أحب أن ألفت الجاهلين بالإسلام والقاصرين فى فقهه إلى الخاصة الأولى فى هذا الدين٬ وهى أنه دين الفطرة. فتعاليمه المنوعة فى كل شأن من شئون الحياة هى نداء الطبائع السليمة والأفكار الصحيحة٬ وتوجيهاته المبثوثة فى أصوله متنفس طلق لما تنشده النفوس من كمال٬ وتستريح إليه من قرار. وقد شغفت من أمد بعيد ببيان المشابه بين تراث الإسلام المطمور٬ وبين ما تنتهى إلية جلة المفكرين الأحرار فى أغلب النواحى النفسية والاجتماعية والسياسية٬ وأحصيت من وجوه الاتفاق ما دل على صدق التطابق بين وحى التجربة ووحي السماء.
أجل فكما تتحد الإجابة السديدة على فم شخصين ألقى إليهما سؤالي واحد٬ اتحد منطق الطبيعة الإنسانية الصالحة وهى تتحسس طريقها إلى الخير مع منطق الأيات السماوية٬ وهى تهدى الناس جميعاً إلى صراط مستقيم ولعل احترامى للإسلام وبقائى عليه يرجعان إلى ما لمسته بيدى من تجاوبه مع المطرة الراشدة٬ فلو لم يكن دينا من لدن عالم الغيب والشهادة ما وسعنى ولا وسع غيري أن يخترع أفضل منه فى إقامة صلاته بالله وبالناس.
ولك أن تشك فى هذا الزعم وتحسبه تطرف رجل جامد٬ لكن من حقي أن أضع بين يديك مقارنات شتى لتنظر فيها ثم تحكم بعدها كيف تشاء. وكلمة نظرة تتسع لدلالات متباينة٬ فقد تختلف طبيعتى وطبيعتك فى الحكم على شىء واحد٬ تذهب أنت إلى تحسينه٬ وأذهب إلى تقبيحه٬ وقد تجنح فيه إلى أقصى اليمين٬ وأجنح فيه إلى أقصى اليسار........