ذات مساء جميل، كان الهلال بدراً يبهر العقل، احتفل الأقارب والأحباب والأهل بزواج (محمد وأمل)...
كانت
تلك الليلة من أروع الليالي التي مرَّت على محمد، كان ينتظرها بكل لهفة
وشوق، فقد قطع على نفسه عهداً بأن يجعل (أمل) أسعد زوجة في العالم... وبعد
يومين من الزواج قرَّر (محمد) أن يقضي مع زوجته مايسمى بشهر العسل في إحدى
دول أوروبا لينعما بالسعادة والراحة، ويتمتَّعا بالطبيعة الخلابة والأجواء
الجذَّابة..
وفعلاً تمَّ له ماأراد، وسافرا إلى دولة أوربية، واستقرا في أفخم فندق فيها، وقضيا فيه أول ليلة من رحلتهما.
كانت
تبدو على (محمد) علامات السعادة والسرور، بينما (أمل) يروادها شعور بالخوف
من بلاد الغربة وإحساس بعدم الأمن، كانت تنظر إلى الباب في توجس وخيفة بين
الفينة والفينة..
بعد ساعتين من استقرارهما في غرفتهما استأذن (محمد)
ونزل إلى مطعم الفندق ليحضر لزوجته الغالية وجبة عشاء تليق بمقامها
كعروس.. استغرق ذلك من (محمد) وقتاً ليس بالقصير.. بعدها حمل العشاء بين
يديه وانطلق بسرعة كي لاتقلق زوجته الحبيبة عليه، وعندما وصل إلى باب
الغرفة وجد الباب مفتوحاً على مصراعيه، خاف على عروسه، وتبادرت إلى ذهنه
أفكار مخيفة وهواجس مرعبة، فبادر بالدخول، والرعب يملأ قلبه، وأخذ يبحث
عنها ويلتفت يمنة ويسرة فلم يجدها.. طأطأ رأسه من فرط الحزن والألم، ثم
فجأة صرخ بأعلى صوته: ياللهول؟
لقد رأى عروسه سابحة في بركة من الدماء، تئن من فرط الألم، ملابسها قد مُزَّقت، مجوهراتها قد سُرقت..
وقف صامتاً لايُحرك ساكناً، أصابه الذهول من هول مارأى...
حاولت
المسكينة أن تحرك أطرافها.. حاولت أن تقف على قدميها.. بل حاولت أن ترفع
رأسها.. كانت تريد النهوض لتنتقم لنفسها ممن كان السبب فيما جرى لها،
لتأخذ الثأر ممن أطفأ سراج عمرها وقوض مسيرة حياتها وضيّع زهرة شبابها..
ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل...
بََيْدَ أنها لم تيأس بل عادت مرة
أخري بعزيمة قوية وجهود مُضْنية، تحاول أن تتشبَّث بحافَة السرير علَّها
تستطيع النهوض لتحقق رغبتها الجامحة في الانتقام... ولكن امتدت إليها يَدُ
الجاني لتمسكها وتقيد حركتها... حاول الجاني أن يُثَبِّط عزيمتها ويحبط
آمالها، ويكبت جماح مشاعرها الثائرة...
أرادت المقاومة والإصرار على موقفها، ولكن هيهات.. هيهات فقواها خائرة، وجسدها لايقوى على الحراك..
استسلمت
له على مضض وتجرعت آلامها، وكتمت عبرتها لأنها أرادت أن تواجه الموقف
ببسالة، وتُظْهِر له شجاعتها، ولكن دموعها خانتها، وأخذت تنساب على
وجنتيها لتزيل ماعلق على وجهها الجميل من آثار تلك الجريمة البشعة..
رمقت
محمد بعينيها الغائرتين، وقلبها يعتصر ألماً وحرقة.. قالت له في كمد وغيظ:
لقد اغتلت أحلامي، ووأدت سعادتي، لقد حكمتَ عليَّ بالإعدام..
قاطعها
بسرعة وقد بدت عليه علامات الدهشة والاستغراب وقال لها ببراءة متناهية:
ماهذا الذي أسمعه؟!! هل كلامك هذا موجَّه لي؟! لالا؟!! أعتقد أن حالتكِ قد
أثرت على قواكِ العقلية، فأصبحت لاتميزين من يقف أمامك..
أنا زوجك وشريك حياتك، كيف تقذفينني بتلك التهم؟!
لقد أحضرتك إلى هنا في أرقى دول أوروبا لتستمتعي بأجمل أيام عمرك؟!!!
صرخت
في وجهه بأعلى صوتها المتحشرج: أستمتع؟!! أيُّ استمتاع هذا الذي لايوجد
إلا في بلاد الكفار؟! بلاد الإجرام والدمار؟! ياليتني حكَّمتُ عقلي قبل أن
أُقدم على هذه الخطوة.. ليتني لم أوافقك على ذلك.. أنت من أدخل رأسي في
حبل المشنقة. لقد جعلتني فريسة سهلة في أيدي الوحوش المفترسة.. ولقمة
سائغة في فم المجرمين القتلة..
فأيُّ استمتاع هذا؟!!
لاسامحك الله... لاسامحك الله... لاسامحك الله..
ثم انقطع صوتها وهي تردد هذه الكلمات... وأسلمت الروح لباري الأرض والسموات تاركة لزوجها الذكرى المؤلمة...