___________
كان يوماً شاقاً في حياة الأم كالعادة...تصحو من الفجر لتطعم الطيور وتطعم زوجها أيضاً قبل أن يغادر إلى عمله...توقظ بناتها الثلاث
ربما تفلح إحداهما في إزالة ولو القليل من عبئها الشاق
كانت عابسة...لا تعرف الإبتسامة طريقاً إلى شفتيها إلا قليلاً
...صارمة...قاسية بعض الشئ
في هذا اليوم كانت في أوج حملها الرابع
تئن في صوت ضعيف بين الحين والآخر...ثم تعاود عملها في صبر
تنظر إليها الصغيرات الثلاثة,,ولا يدرون كيف يدرءون هذا الألم عن أمهن
إشتدت بها الألم إذ لم تعد قدماها تقدران على حملها
جلست وهي تقاوم الألم
أمرت إحدى صغيراتها أن تذهب وتستدعي (الداية)..وهي الموكلة بتوليد النساء في القرى المصرية
ذهبت الصغيرة مسرعة بأقدام عارية وعيون لم تغادرها آثار النوم
طرقت على باب الداية عدة مرات...جاءها صوت من الداخل
مين؟
انا مريم يا خالتي
فتحت الباب فوجدت أمامها الصغيرة ترتجف من القلق
خير يا مريم؟
إلحقي يا خالتي أمي تعبانة قوي
حاولت الداية أن تخفف من قلق الصغيرة وطلبت منها الدخول
استني هنا يا مريم..حالاً هلبس العباية وآجي معاكي
وبعد قليل خرجت الداية ومعها مريم وإتجهتا إلى البيت
وفي الطريق القصير من بيت الداية إلى بيت الحاج علي أبو مريم
سألت مريم الداية
خالتي...هو أمي هتجيب إسماعيل؟
نظرت إليها الداية متعجبة
ولم تجب
فأكملت الصغيرة...
أنا سمعت أمي بتقول إنها بتكره البنات ونفسها المرة دي تجيب ولد وتسميه إسماعيل
انا خايفة يا خالتي أمي تجيب بنت تاني وتكرهها زي ما بتكرهنا
ردت الداية قائلة
عيب يا مريم متقوليش كدة...أمك بتحبكوا كلكوا زي بعض...بس هي نفسها ف ولد علشان ياخد باله منكم
وكم
....لم تكمل الداية كلماتها حتى سمعت صراخ مدوي يأتي من بيت الحاج علي
فأيقنت أن أم مريم هي مصدر الصوت وجرت مسرعة إليها
كانت ولادة متعسرة
وكانت الأم متعبة
حتى حانت لحظة إنطلاق روح جديدة وحياة جديدة في بيت الحاج علي
رأت الداية المولود...قالت الأم بين الصرخات والآلام
انا جبت إيه يا خالتي
نظرت إليها بتردد وقالت (إسماعيل)..وتركتها وانصرفت
لم تشئ الداية أن تصدم الأم للمرة الرابعة وأن تخبرها أن المولود أنثى
وآثرت الكذب
حملت الأم صغيرتها ونظرت اليها وهمت بكشف الغطاء عن جسد الصغيرة
وكانت الصدمة الحارقة
إنها بنت
دي بنت
بس خالتي قالتلي إنها إسماعيل
دي ست كدااااابة
أثناء هذه اللحظات دخل الحاج علي...كانت الصغيرت الثلاث يلتفون حول أمهم
ينظرون إليها بقلة حيلة
والدموع تنساب على وجناتهن
إقترب الحاج علي و إبتسم لزوجته ومد يده يحمل الصغيرة
دي بنت...ما شاء الله
بنت زي القمر
نظرت اليه زوجته بسخرية وقالت
وهتسميها إيه يا ابو القمر
قال الحاج علي
هسميها فاطمة
وهي السجينة....بطلة هذه القصة(2)
المنبوذة
جاءت الصغيرة فاطمة إلى الدنيا
وفتحت عينيها على كره أمها لها...بلا ذنب إقترفته
ليس سوى أنها الإبنة الرابعة لأم تمقت الإناث
لم يهون على الصغيرة شقاءها سوى أبوها الذي كان يحبها ويدللها
ولكنه كان دائماً خارج البيت في عمله المرهق...فكان لديه قطعة أرض صغيرة يشرف على زراعتها ويظل فيها معظم اليوم
تاركاً اطفاله الأربعة لأم ليست بأم
كانت الإبنة الكبرى مريم قد عانت كثيراً من أمها
قد تتوقعون أن مريم ستكون الأخت الرقيقة الحنونة التي تعوض أخواتها جفاف أمهم
ولكنها لم تكن كذلك...ربما حاولت ولكنها لم تستطع وكلما كبرت كلما زادت قسوتها هي الأخرى
أما الأخت الثانية رقية
كانت تعاني من صغرها من مرض شلل الأطفال وكانت لاتستطيع الحركة
إعتادت أمها أن تناديها (يا عرجا) أي يا عرجاء
لم ترحم عاهة هذه الصغيرة وكانت توسعها ضربا بلا رحمة إذا إقترفت أقل خطأ
وكانت تقوم بتعليمها الخياطة منذ نعومة أظافرها
أما الأخت الثالثة زينب
فقد أَشيع أنها أصيبت بمس لأن أمها كانت كثيراً ما تضربها في الخلاء
كانت دائماَ تصرفاتها هوجاء طائشة...كما ستعرفون فيما بعد
كانت فاطمة لا تزال طفلة ولا تعرف سبباً لما تلقاه من قسوة وجفاف من أمها
وعندما وصل عمرها لست سنوات وكانت خارجة من غرفة الطيور إلى الفناء الخارجي
مرت بجانب حجرة أمها وترامى إلى مسامعها بعض الجمل التي لم تتبينها بوضوح
ثم سمعت اسمها
و بفضول الطفلة الصغيرة وقفت والصقت أذنها بباب الغرفة
لتسمع الحديث الذي دار بين أمها وبين إحدى جاراتها
وما أقساه من حديث
كانت أمها تتحدث وتتباهى بتفننها في ضروب القسوة والإهمال لصغيرتها فاطمة حينمها كانت رضيعة
أخبرت جارتها أنها كانت تنتظر خروج زوجها من البيت حتى تترك الصغيرة وتذهب الى بيت أخيها وتظل عنده
طيله النهار تاركة الطفلة بلا طعام وتعود آخر الليل قبل ميعاد قدوم زوجها وتتمنى أن تجدها ميتة من الجوع
فتدخل الحجرة لتجد الصغيرة نائمة واضعة أصبعا في فمها وقد هبطت معدتها من شدة الجوع
واستسلمت للنوم بعد أن كادت تقضم أصبعها الصغير
كانت فاطمة تستمع إلى هذا الكلام وقلبها الصغير يكاد ينفطر وفي رأسها ألف سؤال
سمعت أمها أيضا تقول
أنه ذات يوم تركت الصغيرة كالعادة بلا طعام وخرجت لتشتري بعض لوازم الخياطة
فرأت الصغيرة كتلة مجهولة بجانب بعض الملابس
فزحفت وأكلت منها قليلاً لتسد جوعها
أتعلمون ما هذه الكتلة؟؟
والله لو اخبرتكم لن تصدقوا
لأنني حتى الآن لا أصدق
لقد كانت قطعة براز تلتصق بملابس ابن خالها الصغير الذي كان ضيفاً عندهم في ذلك اليوم
3)
الحقيقة
سمعت فاطمة كلمات أمها وهي لا تكاد تصدق أن هناك من وصلت به القسوة لإرتكاب هذه الافعال
بل والتفاخر بها أمام الناس
تركت في نفسها جرحا لم ولن يندمل مهما طال الزمان
لا زالت فاطمة تذكر هذه الكلمات حتى الآن
و لا زلت أذكر ملامح وجهها وفي تقص على مسامعي هذه الوقعة
ومنذ هذه اللحظة وبعد سماعها هذه الكلمات بدأت حياة فاطمة تتخذ مجرى آخر
حيث كانت في بادئ الأمر تفسر قسوة أمها عليها أنها مجرد تهذيب وتربية
ولكنها أيقنت أنها تخطت مرحلة التهذيب ....و وصلت إلى مرحلة التعذيب
...
كانت فاطمة معروفة في البيت بأنها الخادمة
وذلك لظروف أخواتها التي اخبرتكم بها
فكانت تستيقظ عند بزوغ الفجر
لترتدي ملابس المدرسة وتذهب مع اختها زينب التي كانت تكبرها بسنتين وكثيراً ما كانت تجلب لها المشكلات
كانت فاطمة برغم ما تلقاه من سوء معاملة,,,,كانت طالبة متفوقة ...مجتهدة
ولكن أمها لم تترك لها الفرصة لتوظيف عقلها في دراستها فكانت بمجرد عودتها الى البيت
ترهقها بشراء لوازم البيت ومساعدتها في البيت
حتى يأتي الليل ويكون الإرهاق قد تملك منها
فتسلم نفسها للنوم
ويأتي الحاج علي في المساء
يدخل إلى الغرفة التي تنام فيها فاطمة
تشعر فاطمة بيده الحانية تمسح على شعرها ...ثم يطبع قبله حانية على جبينها وينصرف
وأعذروني فقد نسيت أن أخبركم بقدوم إبراهيم
وهو الأخ الوحيد لفاطمة
والذي كان يحظي بنصيب عظيم من التدليل والإهتمام من أمه...فقد كان الولد الذي
جاء بعد طول إنتظار...كان يصغر فاطمة بسنتين
جميل الوجه...حسن الطلعة
وكان مشاكساً...دائماً ما كان يضرب فاطمة برغم انها تكبره....ولكنها لا تستطيع أن تشكو لأحد
إلا الله عز وجل
..وبعد إبراهيم
حملت الأم للمرة السادسة
وأنجبت فتاة رائعة الجمال
ولكنها ما لبثت أن توفيت بعد عدة اشهر
وتكرر الموقف مع الفتاة التي تلتها
أي الإبنة السابعة
وبالطبع أنت تعرفون السبب
لم تتحملا الجوع
فماتتا
وهنا تذكرت قوله تعالى (وإذا الموءودة سُئلت بإي ذنب قتلت)...رحمهما الله
ورحم أخيهما محمود
الإبن الثامن.
ولكنه بالطبع لم يمت من الجوع.....لأنه ولد وبالتأكيد لم تقصر أمه في رعايته
ولكنه مات ميتة شنيعة
فقد أصيبت صرته بالتسمم بعد الولادة مباشرة وكان يتلوى ويرتعش
ويدمي قلب أمه ثم مات وهو ممسك بيدها
وكأنه يوصيها أن تتقي الله في إخواته
ربما أراد الله تعالى بموت محمود أن ينبه الأم فتكف عن قسوتها
ولكن هيهات
ما أن دفنته حتى عادت أكثر قسوة مما كانت
وكانت تقول لبناتها
إن أختاكما تزورانني في نومي وتخبرانني أنها لن تسامحانني
وبرغم ذلك.....ظلت كما هي
(4)
الحرب
كانت أحوال البلاد غير مستقرة آنذاك
فقد إستولى اليهود على جزء كبير من أراضي سيناء الحبيبة
وكانت فاطمة تقطن في إحدى القرى التابعة لمدينة مطلة على قناة السويس والتي كانت تفصل بين الجيش الإسرائيلي وبين الجبهة المصرية
وكان الخوف والهلع يسيطر على أهالي هذه القرية
وشبح الحرب والدمار يطاردهم في كل مكان
وذات مساء عاد الحاج عليَ باكراً على غير عادته
كان الحزن يعلو قسمات وجهه الحنون
كانت فاطمة وأخوتها يهمون بالجلوس حول مائدة الطعام
ولكنهم تراجعوا والتفوا حول أبيهم وعيونهم تتساءل عن سبب هذا الوجوم
وأقبلت الأم متعجبة وقطعت حاجز الصمت بالسؤال المنتظر
فيه إيه يا ابو مريم...مالك؟؟
نظر إليها أبو مريم بعد أن سكت برهة ثم قال
إحنا لازم نلم حاجتنا ونسيب البلد
شهقت أم مريم ووضعت يدها على صدرها
نسيب البلد؟؟ ليه يا ابو مريم؟؟ ونسيبها نروح فين؟؟
رد الحاج علي
هنسافر في أي مكان يا ام مريم...خلاص الظاهر إن الحرب هتقوم قريب...والناس كلها بتستعد للهجرة
قالت أم مريم وقد صعقتها الكلمة
هجرة؟؟ طب وبيتنا وأرضنا؟؟ هنسيبهم لليهود؟؟
قال الحاج علي في حزن وصوت مهموم وهو يحتضن ابناءه
هي فترة وهتعدي يا ام مريم وبعد الحرب إن شاء الله هنرجع تاني لبيتنا وأرضنا
ردت أم مريم
طب وأرضك اللي هي مصدر رزقك ورزق عيالك...هتأكلنا منين يا ابو مريم
نظر إليها في تردد وكأنها يخشى أن يصدم أبناءه ثم قال
انا هاجي اباشر الأرض وابقى ارجعلكم كل جمعة
وهنا سكت الجميع و خيم الصمت حتى جاء صوت رقيق يقطع حاجز الصمت وكان صوت فاطمة
أبي...يعني انت هتكون هنا في وسط الحرب؟؟
وهنا صرخت فيها أمها وقالت لمريم...خدي اخواتك وادخلوا ناموا
آوت فاطمة إلى فراشها وهي في دوامة من الحزن
هنسيب بيتنا...هنسيب بلدنا...وابويا هيبقى معرض كل يوم للموت في وسط المعمعة
ومش هلاقي حد يطبطب عليا...ولا يصبرني على همي
ثم اجهشت بالبكاء
سمعتها مريم....قامت إليها ووكزتها في صدرها بقوة
آمرة إياها بالنوم وأن تكف عن البكاء
إستسلمت المسكينة للنوم ولم يبرح مشهد الحرب والموت أحلامها
..........
في اليوم التالي إستيقظ الأبناء على صوت الأم آمرة إياهم بالنهوض ولكن ليس للذهاب إلى المدرسة
بل لتجهيز الحقائب وجمع ما قل وزنه و زادت قيمته
وكانت هناك سيارة من سيارات النقل التي يملكها عمهم تنتظرهم في الخارج
جمعوا اغراضهم وخرجوا يجروا اقدامهم إلى السيارة وألقوا نظرة الوداع الأخيرة على بيتهم
ثم انطلقوا إلى مكان لا يعلمه إلا الله
وفي الطريق تكرر مشهد المهاجرين وهم يحملون أغراضهم ويودعون بيوتهم الصغيرة
إستمروا في السير لمدة طويلة قاربت اليوم الكامل
حتى وصلت السيارة في منتصف الليل إلى قرية من قرى محافظة الشرقية
وهي محافظة بعيدة نوعاً ما عن موقع الحرب
نزلوا من السيارة وفرشوا بجانبها ملاءة صغيرة وجلسوا عليها يستريحون
كم كانت فاطمة في حاجة إلى حضن أمها يضمها وتنام بين ذراعيها
كانوا ينظرون حولهم في صمت موحش
بعد فترة قصيرة وليست بقصيرة
جاء الحاج علي ومعه رجل شاب يبدو أنه أحد أبناء القرية
ثم قال لأهله
أن هذا الشاب قد ساعده في الحصول على مسكن وجاء ليساعده في حمل الأغراض الى المسكن مقابل مبلغ صغير
حملوا الاغراض ووصلوا إلى البيت....كان كبيراً نوعاً ما....أكبر من بيتهم السابق
كان التعب قد تملك منهم وما أن وصلوا حتى استسلموا جميعاً لنوم عميق
(5)
النكسة
مرت الحياة في القرية الجديدة طويلة مملة
ولم تكن وسائل الاعلام متقدمة بالقدر الكافي لنقل احداث الحرب كما هو الحال الآن
وكان يأتيهم كل يوم أخبار متقطعة عن أحوال البلاد
حتى حانت الحرب واشتدت المعركة
والحاج علي وسط النيران على أرض الجبهة
والأبناء يتقطع قلبهم خوفاً وقلقاً على أبيهم وينتظرون عودة أي شخص من المهاجرين ليسألوا عنه
ولا يحصلون إلا على إجابة واحدة
(معرفش شئ عن الحاج علي....والبلد مدمرة)
كانت فاطمة لا تانم ليلاً ولا ترتاح نهاراً
تتمنى عودة أبيها والإرتماء في أحضانه بعد ما ذاقته من غصة الوحدة في وسط إخوتها
وبعد معاناتها مع أمها
حتى كان صباح يوم 5 يونية عام 1967 والذي إستيقظت فيه الأمة المصرية على خبر هز كيانها
وسيبقى أبد الدهر نقطة سوداء في جبينها
إنها النكسة
أي الهزيمة في الحرب
كان الناس يمشون في الشوارع لا يتحدثون
مطأطأين الرؤوس من شدة الحزن والحسرة
منهم من فقد أخيه أو أبيه
منهن من فقدت ابنها او زوجها
وأي هم أفظع وأشنع من فقد سيناء الحبيبة وهزيمة الجيش القوي
كانت الحياة جامدة...حتى الأغاني الوطنية التي يفترض أن تبث روح الحماس والأمل في الناس
كانت لا تثير إلا كل ما هو حزين وموجع
..........
بعد خبر النكسة
كانت هناك نكسة أخرى
في قلب فاطمة
فعودة أبيهم سالماً أصبحت شبه معجزة
فإذا نجا من القصف لن ينجو من الألغام المنتشرة في الطريق
و إذا نجا من الألغام لن ينجو من الجوع وخطر الطريق وطائرات العدو التي كانت تلاحق كل ما هو حي لتقضي عليه
لم يكن بيد الصغيرة فاطمة سوى أن تدعو الله تعالى أن ينجي أبيها إن كان حياً
وأن يرحمه ويتقبله في عداد الشهداء إن كان ميتاً
حتى كان ذات صباح بعد حوالي شهراً من تاريخ النكسة
إستيقظ الأبناء على طرق متواصل على الباب
وسمعوا صوت أحد أطفال القرية يقول من خلف الباب
عم علي جه....عم علي جه
قامت فاطمة وأخوتها وأمهم بين المصدقين والمكذبين
وضعت الأم طرحتها على رأسها
جرى الأبناء حفاه
ليجدوا ابيهم يهرول اليهم مسرعاً ويرتموا في أحضانه باكين...ضاحكين...فرحين...مهللين
............
عاد الأب
واجتمع الشمل
ولكن أين الوطن؟
هل هناك شمل بلا وطن؟
إلتف الأبناء حول أبيهم
هنرجع إمتى يا أبي؟
قال لهم الأب أن الأحوال في البلاد لم تستقر بعد ووعدهم أن يصحبهم الصيف القادم إلى بيتهم ليقضوا شهراً أو أكثر إذا إستقرت الأمور
فرح الأطفال بهذا النبأ الذي وقع برداً وسلاماً على قلوبهم جميعا
............
كان الجيش المصري قد بدأ يبني نفسه من جديد للإستعداد لخوض حرب أخرى
حرب حاسمة
ستكشف مصير كلا الطرفين
وأثناء هذه الفترة كانت حرب الاستنزاف مستمرة والمناوشات والمفاوضات والقرارت مثل المطر
وحلم العودة يطارد كل مصري مهاجر
.............
بدأت أحوال البلاد في الإستقرار إلى حد ما بعد إنتهاء عام 1967
وجاء الأب يبشر الأبناء بالعودة-المؤقتة-إلى بلدهم
وبسرعة قاموا بتجهيز الأمتعة ورحلوا إلى البلاد
وبالطبع لم تكن كما تركوها
كانت ساكنة
صامتة
الشوارع خالية
البيوت مهجورة
لا يسمعون إلا صوت سيارات الجيش أو صوت دانات المدافع في المعسكر المجاور بين الحين والآخر
وبرغم خطورة السير في الشوارع في هذه الفترة
كانت الأم بكل إهمال ولا مبالاة
ترسل فاطمة إلى وسط البلد لشراء الخضروات أو لوازم البيت
كانت فاطمة تسير في الشارع و صدى خطاها يرن في الاركان
طفلة لم تتجاوز التاسعة...تسير في الطرقات الخالية...معرض في كل لحظة أن تختطف
أو أن تصاب بشظية طائشة
أو...أو...أو
ولكن الله تعالى كان يرعاها ويحميها
.....بين الحين والآخر كان جيش العدو يطلق غارات جوية على سكان مدن القناة
وكان الناس يهرعون للإختباء في الحقول ظنا منهم أن الأشجار العالية ستحميهم من بطش العدو الغاشم
(6)
العودة
ظلت الأحوال غير مستقرة في البلاد مدة لا تقل عن 5 سنوات وهي فترة حرب الإستنزاف كما أخبرتكم
وخلال هذه المدة كان الحاج على وعائلته دائمين التنقل بين بيتهم الأصلي والبيت الآخر في البلد التي هاجروا إليها
إذا ما استقرت الأمور حملوا أمتعتهم وانتقلوا إلى دارهم الأصلي
وإذا توترت الأمور عادوا مرة أخرى إلى محافظة الشرقية
وهكذا
وتكرر مشهد غياب الأب أثناء القصف وفقدانهم الأمل في عودته
ثم عودته مرة أخرى بعد نجاته من الموت بقصةأعجب من سابقتها
ما زالت فاطمة تذكر حياتها في فترة الهجرة وكيف أن أختها زينب كثيراً ما تتسبب في ضربها بسبب تصرفاتها الهوجاء
وكيف كانت ترسل خطابات للمدرس الشاب تغازله فيها وتلقي بالتهمة على فاطمة....فقد كانت هي وفاطمة في نفس الصف الدراسي
لأن زينب كانت كثيرة الرسوب
كانت فاطمة تحاول الدفاع عن نفسها ولكن لم يسمعها أحد
سوى أختها رقية أو العرجاء كما كانت تناديها أمها
كانت تحاول الدفاع عن فاطمة فتجذبها أمها من شعرها وتسحبها على الأرض بقوة
وهي مسكينة معاقة لا تحسن حماية نفسها
وكان هذا يزيد من تألم فاطمة
هكذا كانت حياة فاطمة في الغربة
ما بين ضرب من أمها وظلم من زينب وتأنيب ضمير بسبب رقية المسكينة
............
وفي نهاية عام 1970 ومع نهاية حرب الإستنزاف بشكل مؤقت
قرر معظم المهاجرين العودة إلى البلاد وليكن ما يكون
حتى ولو كلفهم الأمر أرواحهم
فما قيمة الحياة في وسط المذلة والمهانة والغربة والحنين الجارف إلى البلاد
أصبحت فاطمة صبية رائعة حقاً
ذات وجه وقوام رائعين
فقد ورثت الشعر الأصفر من أمها ....وحمداً لله أنها ورثت شكلاً ولم ترث روحاً
كانت أمها تنظر إليها وتقول
انتي المفروض تتكسفي تمشي في الشارع...شكلك عامل زي الست المتجوزة
كانت فاطمة تسمع هذه الكلمات وتنظر إلى نفسها في المرآة في حزن وضيق
حتى أصبحت تكره المشي مع بنات عمها الآتي هن في نفس سنها
فكانت تخشى أن يقول الناس أنها أمهن كما أوهمت لها أمها
أصبحت إنطوائية بعض الشئ
وبها شئ من العدوانية
بالطبع ففتاة في مثل سنها وقد عانت ما عانت
لا نتوقع منها أن تكون ملاكاً بين البشر
..................
مرت السنون
وفي مساء ليلة
جاء الحاج على
بوجه متجهم
.....لن أطيل عليكم فأنتم بالتأكيد عرفتم السبب
إنها الهجرة مرة أخرى
وترك البلاد مرة أخرى
وتوديع الأحباب مرة أخرى
والحرب....والدمار....والألم مرة أخرى
يا لها من حرب
ألن تنتهي
ألن نرتاح
ألن نستقر
......
هاجروا مرة أخرى إلى نفس البلد ونفس البيت ونفس الحياة ونفس الذل
ولكن هذه المرة
كان هناك أملاُ بعيداُ في الأفق
أمل في الله عز وجل
ثم في جيش قوي
جند من خير أجناد الأرض
......
ما زالت فاطمة تذكر هذه اللحظة
لحظة النصر
لحظة عودة الحياة إلى جسد البلاد
كانوا يجلسون بجانب المذياع في إنتظار أي اخبار عن الحرب
وها هو المذيع يلقي بياناً لا يزال صداه يرن في أجواء البلاد
إنه بيان العبور
عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصن المنيع
لكم أن تتخيلوا كم كانت الفرحة تعم البلاد آنذاك
وقد تحقق حلم العودة
والإستقرار
انصرف شبح الحرب
وعاد السلام
في كل مكان
إلا في قلب فاطمة
(7)
البشرى
أنهت فاطمة المرحلة الإعدادية بمجموع ضعيف نوعاً ما بسبب ما حل من ظروف البلاد أو ظروف البيت
فقد أنجبت أمها الأخت الصغرى لهم وهي هاجر
وهي أقلهم نصيباُ من تعذيب الأم فقد تربت في كنف أخواتها وكان أبوها يصحبها إلى أرضهم في معظم الأوقات لتلهو مع الصغار
وإلتحقت فاطمة بمدرسة ثانوية تجارية
.....
كان هناك حدث سعيد في بيت الحاج علي
فاليوم خطبة رقية
نعم....رقية صاحبة العاهة
والتي إعتادت أمها معايرتها بعاهتها برغم أنها كانت تجهد نفسها في تعلم الخياطة ومساعدة أمها و أبيها
كانت فاطمة في قمة السعادة
فقد عوض الله تعالى رقية خيراً
برغم أنها ذات حظ متواضع من الجمال
وبرغم عاهتها
إلا أن الله تعالى قد وهبها زوجاً كان الجميع يحسدونها عليه
فقد كان متعلماً ...وسيماً...كثير من فتيات القرية كن يحلمن بأن يصبحن زوجاته
ولكنه كان من نصيب رقية
كان بعض الجيران لا يتقون الله تعالى في هذه المسكينة...وكانوا يتحدثون بين الناس في القرية ان رقية ربما تكون قد اتبعت
السحر أو الشعوذة لتوقع يونس في شباكها
كانت رقية تسمع هذا الكلام فتحزن ولكنها تتذكر رحمة الله بها وكرمه إياها فتسد أذناها عن هؤلاء الناس
ولكنها لم تستطع أن تسد أذناها عن أمها التي لا تكاد ترى يونس حتى تأخذ في معايرة رقية بعاهتها أمامه
ولا تراعي شعورها أمام زوجها
ولكن زوجها كان يحبها ويخفف عنها ويقول لها لا تبالي
رزق الله رقية ببنت وولد
ومع ولادة الولد كانت فاطمة في السنة النهائية من الدراسة الثانوية
وفي أحد الأيام كانت فاطمة تسير مع زينب في الطريق
فشاهدت جارتها منى بصحبة أختها و خطيب أختها ورجل آخر لم تعرفه
فعندما رأتها منى
أقبلت عليها وهي تبتسم
وقالت لها
إزيك يا فاطمة...إحنا رايحين نجيب شبكة أختي,,,,,أختي فرحها بعد أسبوع
ردت فاطمة مبتسمة
الف مبروك....ربنا يتمم بخير
ثم انصرفت منى
وحدث شئ غريب
فقد إلتفت الرجل الغريب الذي كان بصحبتهم إلى فاطمة ونظر إليها لبرهة
ثم انصرف
وكانت نظرته غريبة بعض الشئ
تعجبت فاطمة وكذلك زينب
وسألت فاطمة أختها
مين الراجل دة يا زينب؟؟
قالت زينب والتي اعتادت الذهاب الى بيوت الجيران والتعرف على أهلها بعكس رقية المنطوية
دا خال منى...بيشتغل مدرس ...بس الناس هنا متعرفهوش لأنه هادي جداً ومنطوي
قالت فاطمة
عندك حق....انا أول مرة أشوفه مع إني أعرف منى من سنين
...........
في اليوم التالي
قابلت منى فاطمة مرة أخري
نادتها واقتربت منها
حيتها وقالت لها
ازيك يا فاطمة
ردت فاطمة
الحمد لله ....بخير
قالت منى بدون مناسبة
تعرفي يا فاطمة مين اللي كان معانا امبارح؟
فهمت فاطمة ماذا كانت تقصد منى ولكنها تظاهرت بعكس ذلك وقالت
تقصدي خطيب أختك
قالت منى بمكر
لا.....اقصد خالي
قالت فاطمة
وماله خالك؟
قالت منى
خالي لما شافك سألني عنك ولما عرف إنتي مين قال إنه هيجي يخطبك
إحمر وجه فاطمة خجلاً ولم تعرف ماذا تقول
فقالت منى
إن شاء الله هيكلم أبوكي ويطلبك منه
إبتسمت فاطمة في خجل وانصرفت مسرعة وتركت منى غارقة في الضحك من تصرفها
...............
عادت فاطمة إلى البيت
وفي نفسها مشاعر مضطربة بعدما سمعت كلام منى
ولكن بعد خلط هذه المشاعر إتضح لفاطمة أنها سعيدة
أخيراً سوف تخرج من براثن أمها
أخيراً سوف يصبح لها زوجاً تشكيه همها بعد الله تعالى
أخيراً سوف يصبح لها بيتاً وحياة بعيدة عن حياة الذل والضرب والظلم
ولكنها أيضا كانت قلقة فهناك أختان أكبر منها لم تتزوجا بعد
فقد خُطبت زينب أكثر من مرة ولكن سرعان ما تترك خطيبها لأنه لا يعجبها كما كانت تقول
وكانت مريم الكبرى ما زالت بنتاً
ربما تكونان عائقاً أمام زواج فاطمة
(
السجن
طردت فاطمة هذه الأفكار من رأسها وأسلمت جفنيها لنوم عميق
وفي اليوم التالي بينما كان الحاج علي يجلس وسط مجموعة من أصدقاءه في المساء
جاءه أحدهم وهو الخال الأكبر لمنى وطلب منه أن يحدثه على إنفراد
قام الحاج على واستأذن الجالسين وانصرف في صحبة عبد الله خال منى
قال له عبد الله
شوف يا عم علي انا هفتح معاك الموضوع علطول....أخويا جابر طالب ايد بنتك فاطمة
نظر إليه الحاج علي في دهشة وقال له
يا عبد الله....هو انت عندك أخ إسمه جابر؟؟
قال له عبد الله متبسماً
أيوة يا عم علي...
أخويا جابر بيشتغل مدرس بس هو مش بيظهر كتير لانه مشغول دايماً...
وكمان هو هادي ومنطوي شوية
صمت الحاج علي قليلاً ثم قال
والله يا عبد الله انا اسمع عن عيلتكم كل خير...
بس محتاج أفكر شوية وكمان متنساش إن فاطمة لسا صغيرة وليها أختين أكبر منها
قال عبد الله
خلاص يا عم علي...فكر براحتك واسأل بنتك...
و في أول وآخر الحكاية إحنا مازلنا جيران وأهل
وانصرف الإثنان على وعد من الحاج علي بالرد قريباً
.................
وصل الحاج علي إلى البيت وحينما لاحظت فاطمة تعبيرات وجهه القلقة
أدركت أن هناك من فاتحه في أمر زواجها
طلب الأب أن يتحدث مع الأم على انفراد
مما زاد من يقين فاطمة
ثم قام الجميع ودخلوا إلى الغرفة
وظل الحاج علي وزوجته فقط
نظرت إليه قائلة
خير يا ابو مريم...فيه حاجة؟؟
قال لها أبو مريم
أيوة يا ام مريم...بنتك فاطمة جايلها عريس
قالت
مين العريس دة؟؟
قال لها إنه جابر من بيت الحاج عبد القادر رحمه الله
قالت له
أيوة انا اعرف الناس دي...دول ناس محترمين
واسمع عنهم كل خير
اي نعم هما منطويين ومش بيحبوا يختلطوا بالناس
بس هم ناس أصيلة
قاطعها الحاج علي قائلاً
انتي نسيتي ان فيه بنتين أكبر منها؟
قالت الأم
دي فرصة يا ابو مريم مفيش داعي تضيعها من بنتك
وبنتك عمرها ما يجيلها واحد تاني زيه
....................
أنهت فاطمة المرحلة الثانوية وكانت الخطوبة
كان جابر يتمتع بطيبة فياضة
وكان مهذباً...هادئاً
وظنت فاطمة أنها ستقضي معه أسعد أيام حياتها
لم تكن تعرف المسكينة أنها ستكمل معه رحلة شقائها وسجنها
وأنه سيكون مصدر شقائها وآلامها منذ اول يوم من زواجها
....................
كانت فاطمة أثناء فترة الخطوبة لا تملك أي جهاز مما تجهز به البنت قبل الزواج
فلم تكن أمها بالأم الحريصة على بناتها وعلى حياتهم أو حتى مظهرهم أمام الناس
والأب كما تعرفون يقضي معظم وقته خارج البيت
ظناً منه أن الأم تقوم بواجبها تجاه أبنائها
اضطرت فاطمة للبحث عن وظيفة تستطيع بها ان تشتري ما تقدر عليه من جهازها
وبعد بحث طويل وعناء شديد
وجدت وظيفة كبائعة في صيدلية
كانت تقف في الصيدلية ليلاً نهاراً وتحصل آخر كل شهر على بعض النقود
تشتري بها شيئاُ بسيطاُ تضيفه إلى أشيائها المتواضعة
حتى جهزت نفسهاُ بجهازاُ بسيطاُ وقام ابوها بشراء بعض الكماليات لها
.......................
تزوجت فاطمة
وانتقلت للعيش مع زوجها في بيت اهله
او السجن كما أخبرتني هي
تحول جابر فجأة إلى وحش كاسر
كان يضربها ويبخل عليها بالمال ويهينها أمام أهله
وكثيراُ ما كان يطردها خارج البيت بعدما يسحبها من شعرها
ويلقيها خارج البيت
فتجلس على باب البيت تبكي
فأين تذهب
هل تعود مرة أخرى إلى أمها
أم تستسلم إلى الحياة في هذها السجن الموحش
ثم بعد أن يخنقها البكاء
يخرج أحدهم ويدخلها حتى لا يشكو الجيران من بكائها
..................
حصلت فاطمة على وظيفة حكومية
وكانت تحصل منها على مرتب بسيط
اتفق معها جابر ان تصرف هي على البيت
وان يدخر هو المال ليشتري لها شقة بعيدة عن بيت العائلة
فرحت المسكينة بهذا العرض ووافقت عليه
وكانت حاملاُ في إبنتها الأولى
والتي كانت مصدراُ آخر من مصادر شقاء فاطمة
كما ستعرفون فيما بعد
...........
وجاءت حنان
كانت فاطمة قد تولت أمر الإنفاق على البيت كما تعرفون
وكانت تنتظر ظهور إعلانات عن شقق جديدة حتى تخبر زوجها ليقوم بحجز شقة
وكانت تذهب يومياً إلى مكان وضع الإعلانات وهي في أوج حملها
حتى كان يوماً ورأت فاطمة إعلاناً كبيراً عن عمارات سكنية يتم بناؤها في منطقة جديدة
وأن الحجز يبدأ فوراً بمبلغ 400 جنيهاً...والتسليم بعد عامين
كادت فاطمة تطير من فرط السعادة
وعادت إلى البيت في قمة الفرح
دخلت وكالعادة إستقبلها اهل زوجها بالوجه العبوس الذي اعتادت عليه
ولكنها لم تأبه بهم
فلم تشأ أن يعكر شئ ما مزاجها الصافي
أو يكدر عليها فرحتها
كانت تقول لنفسها
أخيراً سوف أخرج من هذا السجن الكئيب
سأخرج وأترك أهل زوجي الذين كرهوني بلا سبب
لقد أقسمت لي فاطمة أنها كانت تحمل هم يوم العيد لأنها تضطر أن تذهب لتهنئهم
فقد كانوا يردون عليها بكل كراهية
فتتركهم مكسورة القلب
لا تدري لماذا فعلوا معها هذا
وهي لم تؤذهم
ربما لأنها كانت كثيرة الشكوى والعراك مع ابنهم
لتحصل منه على بعض النقود لشراء شئ ما
...................
كانت فاطمة تنتظر قدوم جابر بفارغ الصبر لتبشره بخبر السكن الجديد
جاء جابر من العمل
وما ان دخل البيت حتى اسرعت إليه فاطمة
وحدثته بصوت منخفض حتى لا يسمعها احد
واخبرته بما كان....ملحة عليه أن يسرع بدفع المقدم حتى لا يضيع الفرصة
كانت تعتقد أنه سيتقبل الخبر بسعادة كما تقبلته هي
ولكنه نظر إليها في برود قائلاً
ربنا يسهل
وتركها وانصرف
قالت فاطمة محاولة اقناع نفسها بإنه صادق في وعده
ربما تقبل الخبر ببرود لأنه عائداً تواً من عمله
عندما يستريح قليلاً
سوف افاتحه في المبلغ المطلوب لدفع المقدم...نعم....لقد وعدني
ولن يخلف وعده ان شاء الله
...................
مرت ايام وايام
وكل يوم تسأله فاطمة
قدمت على الشقة يا جابر؟؟
يقول لها جابر
بكرة ان شاء الله
حتى بدأت فاطمة تفقد الأمل
وذات يوم قالت له
جابر...انت ناوي تخلف وعدك ليا ولا ايه؟؟
قال لها
لا...بس انتي قربتي تولدي وانا مش فاضي اليومين دول....
اول ما تولدي هبقى اخدك ونروح نحجز الشقة
وافقت فاطمة على مضض
وجاء يوم الولادة
ووضعت فاطمة طفلة رائعة الجمال
فرحت بها فرحة شديدة
وكذلك ابوها
فلم يكن من النوع الذي يفضل البنات على البنين
كانت حنان قرة عين لأبيها وامها
وكانت من الأسباب التي جعلت فاطمة تصبر على جابر حتى آخر لحظة
وتتحمل ضربه وإهانته
وظلمه و ظلم أهله
.................
بعد أن وضعت فاطمة طفلتها
أخذت عهداَ امام الله أن تظل وراء جابر حتى يقدم على الشقة
يكفيها انها ظلت تنفق على البيت وحدها لمدة عام واكثر
وهو لا يضع في البيت مليماً واحداً
متحججاَ بأنه يدخر من أجل الشقة
وها هي الشقة
فما الذي يؤخره؟؟
خطر في بال فاطمة حيلة ما
وانتظرت خروج جابر في الصباح
وكانت هي في اجازة وضع
وكانت تعلم ان جابر يخفي النقود في خزانة الملابس
ثم فتحت الخزانة
واخذت منها مبلغ المقدم
واخفته في حقيبتها
وانطلقت الى مقر حجز الشقق
وحجزت شقة بإسم جابر
وعادت إلى البيت وهي تعلم ما ينتظرها
وتدعو الله تعالى أن تنجو من ضرب جابر بدون عاهة مستديمة
وعاد جابر من العمل وكالعادة فتح الخزانة ليطمئن على النقود
وعرف ما جرى
و اخرج غضبه وغله على جسد هذه المسكينة
ولم تجد من ينقذها وهي تصرخ وتبكي
ولكن حينما تنظر إلى حنان وهي نائمة كالملاك
تكتم صراخها وبكاءها وتصبر.....وتحتسب
.................
ذات مساء
بينما كانت فاطمة تطعم حنان
لاحظت أن حرارتها مرتفعة جداً
أخبرت جابر فقلق على إبنته جدا
وكان الوقت متأخر ولا يستطيع الذهاب بها إلى الطبيب
فانتظروا حتى الصباح وحالت الطفلة تزداد سوءاَ
ذهبوا إلى الطبيب فوبخهم بشدة لأنهما تأخرا في إحضار الطفلة حتى تصل إلى هذه الحالة السيئة
وأمر بتحويلها إلى مستشفى الحميات
وهناك أخبروهم أن حنان مريضة بالحمى الشوكية
وكان الخبر كالصاعقة على الوالدين
وكانت هناك صاعقة أخرى لهما
فبعد عناء طويل مع المرض ورحلة العلاج
أخبرهما طبيب المخ والأعصاب
أن حنان أصيبت بشلل نصفي وتخلف عقلي دائم